من كان حاضرا ضمن فعاليات المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، أو من ساكنة طنجة، ولم يشاهد فيلم “وحده الحب” لكمال كمال كأنه لم يوجد بطنجة، وكأنه لم يشاهد أصلا فيلما من الأفلام.
قد أبالغ بعض الشيء، لكنه إحساس خاص، وأنا أشاهد فيلما للمرة الثالثة، عن وجع جرح الحدود، ونزوات رجال السياسة هنا وهناك، وحب المغاربة للجزائريين، وحب الجزائريين للمغاربة، بكثير من الصدق الفني والعمق الإنساني.
أن يعالج موضوعا حساسا يتعلق بغلق الحدود بين بلدين شقيقين، وتسليط الضوء بكل فنية على عملية تفريق عائلات، والإمعان في عملية تشتيت الأحبة، كنتيجة للمزايدة والهراء السياسي الأهوج، بكل هذه الشفافية والمشاعر الإنسانية الطافحة بالحب وكل الود، يعني أن المخرج إنسان قبل أن يكون فنانا، إنسان ينظر بعيون واسعة على إحتمالات الفرح، وأن الفن السابع ليس مجرد كادرات وحركة كاميرا وإضاءة وديكورات وإدارة ممثل وما شابه ذلك من مكونات وأسس صناعة فيلم من الأفلام، بل هي، وقبل كل شيء، رسائل ومشاعر شفيفة تتشكل وتنسل بكل وعي من بين مفاصل الحكاية، لتنشر بهاء وجمال الصورة المضمخ بعطر الحب، آه من الحب وقدرته العجيبة الآسرة القادرة على صنع المعجزات بهدم جدران النيات السيئة المسيئة لنفسها قبل الإساءة لغيرها، والقفز على حواجز النسيان، وزرع الفتنة وقطع الوشائج التي تربط بين الهنا والهناك.
كمال كمال أذهل كل من حضر عرض الفيلم، بحكايات شخصياته المنسوجة من قبح الوقت، وبموسيقاه التي رجت الأحاسيس رجا، وراهنت بكل صدق على أن تجعل من القلوب الصدئة منابع للحب والحنان، وأن تجعل الخدود تبتل بدموع الألم بكاء على واقع لم يصنعه الإستعمار، بقدر ما صنعه أبناء نفس الأصل والفصل.
“السينما هي المعبد الذي يجمع الفنون الستة التي سبقته”، هكذا عبر في جلسته بعد عرض الشريط، وهكذا لخص لنا فهمه النابض بمحبة الحياة، وشخصيته الغامرة بالعطاء. أمتعنا بمشاهد تتغذى بدفق الإلهام الفني المؤسس على خلفية ترى الإنسان إنسانا قبل أن يكون خصما أو عدوا، تراه بعيون واسعة شاسعة مفتوحة على كل إحتمالات الحياة المنذورة للجمال، والنظر نحو الأفق النابض بعزة النفس وكبرياء أن تحب لغيرك ما تحب لنفسك.
شكرا للسينما التي تزرع فينا بعضا من قيم التسامح والتواصل وضرورة التشبث بالتامغربيت التي ترفض أن تعتبر الآخر مهما كان موقفه منا عدوا، بل تعتبره جارا وأخا شقيقا والسلام..