/عبد العزيز بخاخ
يُعد “صراع الحضارات” أحد المفاهيم السياسية التي إكتسبت شهرة واسعة في العقود الأخيرة، خصوصًا بعد طرحه من لدن المفكر الأمريكي صمويل هنتنغتون في كتابه الشهير “صراع الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي” (1996).
وقد تضمن هذا المفهوم فكرة مفادها أن النزاعات في العصر الحديث ستحتدم أكثر من أي وقت مضى نتيجة للإختلافات الثقافية والحضارية، على عكس ما كانت عليه في العصور القديمة،تكتسب طابعا إيديولوجيا أو إقتصاديا.
وبناءً على ما طرحه صمويل هنتنغتون، فإن صراع الحضارات ليس صراعًا بين دول أو أنظمة سياسية، بل هو صراع بين مجموعات ثقافية واسعة تتبنى أنماط حياة وإيديولوجيات مختلفة، يتم تحديدها من خلال الدين، اللغة، والتاريخ المشترك. وبالتالي، فإن الحروب المستقبلية ستكون ناتجة عن تصادمات ونزاعات بين هذه الحضارات المتعددة، حول مناطق الموارد الحيوية ومناطق النفوذ وذلك لأسباب كثيرة.
ويعتبر البعد الديني من أهم العوامل التي تؤثر في تشكيل الحضارات. بحيث تبرز الصراعات بين الحضارات الغربية المسيحية والحضارات الإسلامية، وكذلك بين الحضارات الهندية والشرقية، فيما ييقى
البعد الثقافي يشكل الاختلاف في اللغة، الفنون، العادات والتقاليد، فتتزايد التصادمات الثقافية بفعل سهولة وسرعة التواصل بين الشعوب. ويظل الصراع بين الحضارات في بعده السياسي يتجسد في نهج سياسات إستعمارية و حروب إقتصادية على المستوى الدولي، والتي أصبحت واضحة المعالم في عصرنا هذا تبدو على شكل نزاعات جيوسياسية بين الدول الكبرى.
ولاقت فكرة صمويل هتنغتون من بعض رواد الفكر العالمي المقارن لمفهوم صراع الحضارات، إهتماما وتأييدا كبيرين و كذلك عدة إنتقادات.
فيرى البعض أن مفهوم صراع الحضارات يُبالغ في تصوير الفروقات بين الشعوب، ويغفل عن التعاون الثقافي والتبادل الذي يحدث بين مختلف الحضارات. والبعض الآخر من المفكرين يعتقدون أن هنتنغتون بالغ في تشجيع وتكريس الإنقسامات بين الحضارات وتجاهل إمكانية التفاهم المتبادل والتعاون الدولي. أي ان الفكرة تعتمد على التفسير الخارجي للصراعات، وتتجاهل أحيانًا الأسباب الداخلية للدول التي قد تكون أكثر أهمية.
ولهذا فقد إقترح العديد من المفكرين من أجل تجاوز صراع الحضارات، تعزيز فكرة الحوار بين الثقافات المختلفة وتشجيع التفاهم المتبادل، والعيش المشترك وتركيز الدول والشعوب على القيم المشتركة مثل حقوق الإنسان، العدالة، والسلام والتعاون إقتصاديا في بناء شبكات تبادل تجاري إقتصادي بين الدول للإسهام في التقليل من حدة النزاعات الثقافية، والحفاظ على الإستقرار العالمي.
وعلى الرغم من أن صراع الحضارات يمكن أن يكون مرآة لعدد من التحديات المعاصرة، إلا أنه لا يجب أن يُنظر إليه على أنه قضاء و قدر أو تحصيل حاصل، بل يمكن للعالم أن يسعى نحو عالم أكثر تناغمًا و إنسجاما، إذا تم التركيز على القيم الإنسانية المشتركة والإحترام المتبادل بين مختلف الحضارات