

/بقلم عبد العزيز بخاخ
يعرف القانون المغربي التحكيم بأنه إتفاق بين طرفين أو أكثر على إحالة نزاع قائم أو محتمل إلى شخص أو هيئة محايدة للفصل فيه بقرار يسمى “الحكم التحكيمي”، بدلا من اللجوء إلى القضاء العادي.
وقد نظم المشرّع المغربي هذه الآلية في قانون المسطرة المدنية، ثم خصص لها إطاراً أكثر تفصيلا ضمن القانون رقم 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الإتفاقية، في خطوة تهدف إلى تعزيز ثقة المستثمرين وتحديث منظومة العدالة.
ورغم هذا الإطار القانوني المتطور، فإن حضور ثقافة التحكيم في المجتمع المغربي ما زال ضعيفا، يطغى عليه الحذر والتردد أكثر مما يطغى عليه الفهم والثقة.
فالكثير من المغاربة، من الأفراد أو حتى من الفاعلين الإقتصاديين، لا يزالون يتوجسون من اللجوء إلى التحكيم، مفضلين القضاء الرسمي باعتباره “الضامن الوحيد للحق.
ويرجع مختصون هذا التوجس إلى ضعف الثقة في بعض الممارسات التحكيمية، وإلى غياب وعي عام بدور المحكم ومكانته القانونية. كما أن بعض الأحكام التحكيمية التي لم تنفذ أو ألغيت لأسباب شكلية زادت من هذا التردد، فترسخ لدى فئة واسعة من الناس أن التحكيم مغامرة غير مضمونة النتائج.
غير أن المشكلة لا تتعلق فقط بالثقة، بل أيضا بحداثة ثقافة التحكيم داخل المجتمع المغربي. فالتربية القانونية للمواطن لم تواكب بعد هذا التحول في مفهوم العدالة. فالكثيرون ما زالوا يربطون العدالة حصرا بالمحاكم، غير مدركين أن الحل التوافقي يمكن أن يكون أسرع وأقل تكلفة وأكثر مرونة. ولذلك فإن ترسيخ ثقافة التحكيم يتطلب جهدا جماعيا تشارك فيه مؤسسات الدولة، والمجتمع المدني، ووسائل الإعلام، والجامعات، لنشر الوعي القانوني وتوضيح مزايا هذا النظام البديل للتقاضي.
التحكيم ليس بديلا عن القضاء بقدر ما هو شريك مكمل له، يسعى إلى جعل العدالة أكثر قربا من المواطن وأقل بيروقراطية. لكن هذا المشروع لن ينجح، إلا إذا بني على ثقة مجتمعية تعيد للمواطن الإيمان بأن العدالة يمكن أن تتحقق بالحوار والتراضي، لا فقط عبر المرافعات والأحكام.
في هذا السياق، نؤكد كباحثين في القانون الخاص وخبراء التحكيم المدني، أن التحكيم في المغرب لا يعاني من فراغ قانوني، بل من فراغ ثقافي و معرفي، لأن المجتمع يحتاج إلى أن يدرك أن التحكيم ليس تسوية ودية فقط، بل حكم قانوني ملزم له نفس قوة الأحكام القضائية متى احترمت شروطه الشكلية والموضوعية. ونشدد على أن إرساء الثقة يمر عبر تكوين محكمين أكفاء، وتفعيل مراكز التحكيم الجهوية، وإشراك الجامعات في نشر ثقافة العدالة البديلة.
ويبقى التحكيم في المغرب ثقافة في طور البناء، تحتاج إلى وعي وتوعية أكثر مما تحتاج إلى تعديل في النصوص. فحين يدرك المواطن أن العدالة البديلة لا تنتقص من حقوقه بل تحميها، يمكن حينها القول إن التحكيم لم يعد مجرد خيار قانوني، بل أصبح قيمة حضارية وممارسة مواطِنة
المغربية للأخبار المغربية للأخبار