/بقلم الحبيب ناصري
تأكد اليوم، أننا نعيش في عصر من الصعب فهم العديد من أسراره بمعزل عن لغة الصورة. الصورة اليوم، وضمن وظائف عديدة تتميز بها، وسيلة لبناء القيم، ومحاورة الذات والآخر. هي أيضا مجال خصب للتكوين، من خلالها تتجمع العديد من الفنون، ولتكتمل الصورة، وجب استحضار شرط الفلسفة لتقوية المناعة والتربية عليها. التكوين فيها أيضا مفض إلى الشغل. إذن نحن أمام صورة وجب فهم العديد من منافعها ومزاياها.
من هنا كان لابد من انفتاح العديد من معاهدنا، ومدارسنا العليا وجامعاتنا المغربية، على ثقافة الصورة، كتخصص أو كجزء من التكوين النظري أو التطبيقي، في أفق جعل التقنيين والطلبة والباحثين، داخل هذا الوطن العزيز، متملكين لها ومن زاوية نظرية وتطبيقية. نحن إذن بصدد تأسيس علم يسمى ب”علم الصورة” ولو بمسميات عديدة،
وأمام مجموعة من الصعوبات التي تواجه من يشتغل بحثيا أو تكوينيا أو تربويا أو مهنيا، في هذا المجال السمعي البصري ككل. لكن حينما نقارن ما أنجز بما كان، من الممكن القول إننا في وضعية أفضل مما كنا عليه، لكن الطريق طويل وشاق، ومن الأفضل السير فيه عوض البقاء خارجه، والتخصص في البكائيات التي لن تفيد، بل وجب تشجيع كل من يشعل آلة لتشغيل صورة، وكيفما كانت ثابتة أو متحركة، والحديث عنها.
صحيح فتاريخنا العربي والإسلامي، راكمنا فيه ما يكفي من التمثلات غير العلمية عن العلم والعديد من الفنون، وفي مقدمتها الصورة، مما جعل هذا التاريخ الفني، وخصوصا تاريخ الصورة ( بما فيه السينما)، تاريخا جريحا، ومملوءا بالعديد من الأعطاب.
طبعا كل شعوب العالم، عرفت العديد من الأعطاب في مسيرتها التاريخية وبشكل مختلف، حسب المرجعيات الثقافية والدينية…الخ، مع تسجيل وجود، وعند كل شعوب هذا العالم، محطاتأخرى حالمة بما هو أفضل وأجمل، لاسيما حينما إستعملت عقلها، وفكرت بصيغة الحاضر/المستقبل، دون جعل الماضي هو النموذج المرغوب في إعادة إسترجاعه كما هو شكلا ومحتوى.
إن السينما اليوم والعديد من المهن السمعية البصرية، تستقطب العديد من الفئات العمرية، ومن زاويا متعددة، سواء على مستوى التفكير فيها نظريا، أو على مستوى التكوين المستمر فيها، أو على مستوى “أخذ حرفة” من أجل “طرف الخبز”.. الخ. العديد ممن بيدهم قرار تدبير الشأن العام، أدركوا قيمة الصورة بشكل عام، والسينما بشكل خاص، مما جعلهم، يخصصون العديد من أشكال الدعم (مثل دعم المهرجانات السينمائية أو دعم الأفلام…..، دون نسيان القانون الجديد المنظم للمهن السمعية البصرية.
ضمن الرؤية السابقة، من الممكن الجزم، أن السينما اليوم، فضاء للتفكير والمهننة، بل هي أيضا ممارسة دبلوماسية، من خلالها يحضر المغرب الراغب في الحداثة، والتفكير بصيغة الحياة الإنسانية، الراغبة في جعل السينما صوتا فنيا وجماليا مساهما في إنتشال العولمة، من غرقها في الوحل والحروب والدمار والخراب.
فالجامعة المغربية، وكل المؤسسات المهنية ذات الصلة بالسينما، حاضرة في صلب ما قيل سابقا، بل يعود لها الفضل في ترسيخ جزء مهم مما طرح سابقا. يكفي مراجعة كم من أطروحة جامعية نوقشت في مجال السينما، وكم من شخص تمكن من تحقيق منصب في التدريس الجامعي، بل تحول بدوره إلى مساهم في الأسئلة السابقة، دون نسيان تمكين هذه التخصصات السمعية البصرية، للعديد من الشباب من أجل أن يجدوا العديد من فرص العمل في قنوات ومؤسسات إذاعية داخل وخارج المغرب.. لنتأكد من الدور المهم الذي قامت به كل المؤسسات التعليمية والتكوينية التي ساهمت في تحريك المياه، وجعل السينما موضوعا للبحث والتفكير والتكوين والمهننة… حتى لا تبقى عيوننا مشدودة فقط بالنصف الفارغ من الكأس.
ضمن هذه السياقات، تحضر بعض المهرجانات السينمائية المهتمة بسينما المدارس، خصوصا تجربة “فداك” بمدينة تطوان، والتي هي اليوم تستعد لقص شريطها التاسع. تجربة راكمت العديد من الخبرات النافعة للعديد من الطلبة المغاربة المتخصصين في السينما الوثائقية والتخييلية وغيرهما، وجعلهم يجمعون بين التكوين النظري العلمي والتطبيقي، مع خلق إمتدادت تنشيطية وتكوينية نافعة لهم، يحققون الكثير منها من خلال محطة هذا المهرجان (أنظر الملصق المرافق) الذي يقام سنويا والذي نسج العديد من العلاقات مع مؤسسات مهتمة بالبحث في السينما داخل وخارج المغرب، وهو ما جعل العديد من الطلبة يستفيدون من هذا التبادل العلمي الجامعي.
تجربة أصبحت بمثابة ملتقى الطرق البصري والثقافي، حيث تمنح للعديد من الطلبة فرصا متعددة لعرض أفلامهم وجعلها في “ميزان” بصري عالمي، لتتم رؤيتها من زوايا مختلفة، دون نسيان العديد من الدروس السينمائية التي تقدم خلال هذا المهرجان، ولقاءات متخصصة تتم على طول مدة المهرجان.
فرصة هذا المهرجان، وغيره ممن يهتم بسينما المدارس، وفي سياقات مختلفة،يساهم في إحتكاك الطلبة المغاربة مع غيرهم، وجعلهم يخصبون مخيالهم البصري من خلال ما يشاهدون من حكايات سينمائية بصرية تخييلية ووثائقية. فرصة أيضا لتشبيك العديد من العلاقات الجامعية المغربية مع غيرها، و إيجاد فرص لتبادل الخبرات والتجارب، مما يجعلنا نطور طبيعة التكوين والبحث في المجال السمعي البصري، لاسيما وأن هذا الحقل يعرف العديد من التحولات السريعة في مجال التكنولوجيا، خصوصا في مجال الذكاء الاصطناعي.