إدريس سحنون
استقبل طبيب مفكرا عربيا ببيته وعرض عليه أن يدخل مكتبته فاذا هي عامرة بالكتب المتراصة على رفوفها…
واستغرب المفكر لكون مكتبة الطبيب غنية بالكتب الإسلامية دون غيرها، إذ لم تقع عينه على كتاب واحد في الطب.
ولعل الداعية ياسين سار على نهج هذا الطبيب بجمعه بين تخصصه الأساس وهو اللغة الفرنسية وآدابها وتقنيات التعبير والتواصل والتدريس بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الحسن الثاني والوعظ بالمجلس العلمي لإقليم النواصر وعلى مواقع التواصل الاجتماعي…
قد يقول قائل وما العيب في أن يجمع الرجل بين الإلزامي في الكلية والتطوعي بمنابر الوعظ والإرشاد
أسوة بالسلف الصالح الذين كانوا موسوعات تجمع بين القرآن والحديث والفقه واللغة والتاريخ والسيرة والطب وعلم الفلك والحساب وغيرها.
نعم … للشيخ ذلك… ولكن لا ينبغي أن ننسى أنه تبحر في الأدب الفرنسي ونهل من فنونه كالشعر الغنائي والموسيقى والمسرح والقصة والرواية والسينما والتشكيل والرقص وغيرها ولا شك أنه درس الحركات الأدبية والفكرية الفرنسية المتنوعة والمختلفة وتأثر بعظماء الأدباء الفرنسيين الذين يعتبر جلهم أن العقل هو القوة التي تتحكم في السلوك البشري.
ورضع من ثدي العولمة التي ادعى محاربتها في محاضرة له، ألقاها مؤخرا بجامعة الأخوين تحت عنوان “الهوية الدينية في عالم معولم “.
فعلم شيخنا الغزير وارتواؤه من معين الحضارة الغربية بما فيها من تحرر يمهد الطريق أمامه ليكون متفتحا منفتحا على الفن، قادرا على أن يجد صيغة جديدة توفق بين أنماط الفكر وفتاوى الدين الإسلامي وأحكامه في الفنون.
ولو أن صاحبنا اعتمد حججا عقلية لا نقلية في انتقاده لرمزية “الشيخة” في المسلسل التلفزيوني ” لمكتوب” الذي يبث على القناة الثانية “دوزيم”، لما أثار كل تلك الزوبعة …
ولو أن شيخنا ربط انتقاده لهذا العمل الدرامي بالقضايا والمشاكل العويصة الآنية التي تشغل الرأي الوطني العام كالأسعار الملتهبة خلال شهر رمضان وتجرأ على فضح من يقفون وراء إضرامها لصفق له الجميع بل لبوأوه مكانا تحت الشمس.
أما وقد استهواه الحديث عن القشور في مسلسل على هامش اهتمام المفكرين وربطه مغالاة بما أسماه “التربية الأسرية القرآنية” فليعلم أن الممثلة دنيا بوطازوت لعبت دور الشيخة حين طلب منها ذلك وتقاضت أجرا ثم سافرت وزوجها الى البرتغال لقضاء ما تبقى من رمضان في جو الراحة والاستجمام وأنه لعب دور حامي الدين ورفع بذلك عدد مشاهدي قناته على اليوتيوب إلى أزيد من 419 ألف متابع،
وحسب موقع (Social Blade) المختص في عرض إحصائيات قنوات اليوتيوب فإن مدخول الشيخ الشهري من عائدات قناته ينحصر بين 485 دولار و7.8 ألف دولار.
وكان الشيخ السلفي كشك يوزع أشرطة خطبه بالمجان.
وأما نحن فتوزعنا إلى فريقين فريق يناصر الداعية والثاني لا يرى ضيرا في أن تلعب ممثلة دور شيخة وقد غاب عنا أننا نجسد صراعا تقليديا بين سلفية تحرم الفنون بل والتقاط الصور من أجل البطائق الوطنية وبين مفكرين دينيين معاصرين يحكمون العقل وينبذون النقل الأعمى ويقفون عند المحرمات المذكورة في القرآن الكريم وعددها لا يزيد على خمسة عشر محرما ولا يفتون في الصغيرة وما دونها ويبيحون الفن أسوة بسيد الخلق الرسول الكريم الذي دخل على قوم يغنون وتوقفوا حين رأوه فقال “جدوا يا بني أرفدة، حتى تعلم اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة”
تحركت غيرة الشيخ الدينية لأمر بسيط وتحركنا معه ولو تعلق الأمر بقضية جوهرية تتطلب الجهر بالحق وتغيير المنكر وفضح كل أنواع القهرة والحكرة التي يتعرض لها العباد بالفن والوعظ والإرشاد والنضال لاختفى “الشيخ” و”الشيخة” وتوشحنا الصمت فلا يتحرك لنا ساكن ولا تهتز لنا قصبة.