البيان الصادر عن المجلس الوطني للمنظمة المغربية لحماية المال العام في دورته الأولى – دورة المرحوم ذ. طارق السباعي – :
المنعقد يوم السبت 28 ماي 2022 بالدار البيضاء و يدعو إلى جبهة مدنية ديمقراطية وطنية واسعة لمحاربة الفساد ونهب المال العام، وإرساء أسس ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتكريس الشفافية والنزاهة، وتحقيق العدالة الاجتماعية تحت شعار :
” لا لحماية الفساد والمفسدين ولا مصالحة مع ناهبي المال العام ”
وبعد نقاش عميق ومسؤول وبسط برنامج جدول أعمال الدورة، وتسجيل الدور الريادي للمنظمة في فضح الفساد ونهب المال العام وطنيا وجهويا وإقليميا، مما جعلها تكسب مصداقية حقيقية لدى الرأي العام الوطني، وقد استطاعت في ظرف قياسي أن تساهم في إشاعة ثقافة حماية المال العام والتصدي للفساد والمفسدين ودلك عبر وضع عدة شكايات وملفات بين انظار القضاء وانتصابها طرفا مدنيا في عدة ملفات بمختلف اقسام جرائم الأموال بمحاكم المملكة .
وقد انعقدت الدورة في سياق وطني ودولي مليء بالتحديات والمخاطر التي تتجلى في موجة الجفاف وندرة المياه وانكماش الاقتصاد وغلاء الأسعار وضعف القدرة الشرائية وارتفاع نسبة الاحتقان الاجتماعي و تنامي معدلات الفساد، مما أصبح لزاما على المجتمع المغربي والقوى الديمقراطية والمنظمات الحقوقية والنقابية اتخاذ مواقف حازمة لمواجهة المخاطر التي تحدق ببلادنا جراء سياسة التشريع والتطبيع مع الفساد ونهب المال العام والإفلات من العقاب والبطيء في معالجة المساطر القضائية ضد ناهبي المال العام , وإن اختيار المنظمة لهذا الشعار أي “ لا لحماية الفساد والمفسدين ولا مصالحة مع ناهبي المال العام ” يؤكد مدى وعيها بطبيعة المرحلة الدقيقة وملابساتها، وما تحتاجه من جبهة ديمقراطية لحماة المال العام واسعة لتحقيق هذا الهدف، كما يعكس رفضه لكل أشكال التشريع أو التطبيع مع الفساد ونهب للمال العام والثروات الطبيعية .
إن المجلس الوطني للمنظمة المغربية لحماية المال العام وبعد تدارسه للوضع في كافة أبعاده، وفي مختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وبعد وقوفه على الردة الحقوقية الخطيرة وما صرح به وزير العدل المغربي أمام البرلمان ووسائل الاعلام في تحدي صارخ للمواثيق الدولية والمقتضيات الدستورية والقانونية , على عزمه سن تعديلات جديدة على مشروع القانون الجنائي للحد من الدور الفعال والايجابي للمجتمع المدني في وضع شكايات ضد بعض المنتخبين المشتبه تورطهم في جرائم فساد ونهب للمال العام , وتسجيلنا لغياب إرادة حقيقية لدى الدولة للتصدي لمظاهر الفساد ونهب المال العام والإفلات من العقاب، كما تجلى ذلك بوضوح في التعاطي السلبي مع ملفات الفساد التي تعرفها كل القطاعات العمومية وشبه العمومية والمؤسسات المنتخبة وطنيا وجهويا وإقليميا والتي صدرت بشأنها تقارير رسمية توثق لاختلالات مالية جسيمة ذات طبيعة جنائية، والتي لا تتم إحالتها على الجهات القضائية من أجل محاكمة المتورطين في تلك الجرائم الا بنسب جد ضئيلة .
وعليه فإن المجلس الوطني للمنظمة المغربية لحماية المال العام يعلن للرأي العام الوطني ما يلي :
1- يعتبر المجلس بأن استمرار الدولة في التطبيع مع الفساد ونهب المال العام والإفلات من العقاب يشكل خطورة على مستقبل المجتمع في التنمية والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ، إذ لم يتجاوز المغرب المركز 123 في تقرير التنمية البشرية الذي تصدره منظمة الأمم المتحدة، ويأتي المغرب في آخر الترتيب الدولي من بين 222 دولة بالنسبة للدخل الفردي، في حين تتقدم عليه دول إفريقية وعربية في هذا المجال، كما أن القدرة الشرائية انخفضت بشكل خطير بالنسبة للدخل الفردي وذلك بسبب تغول الفساد وتمكنه من مفاصل الدولة والمجتمع وسوء توزيع الثروة، وهو ما أدى إلى تفاوتات اجتماعية وطبقية ومجالية عميقة .
2- إن الفساد أصبح من أبرز المعيقات لتحقيق الدولة الديموقراطية والاجتماعية ،حيث يساهم في ضياع هذا الطموح، ويحرم المجتمع المغربي من التمتع بالحريات والعدالة الاجتماعية وضمان مستقبل الأجيال القادمة، كما يحرمه من المساهمة في صياغة السياسات العامة للبلاد ومختلف الخطط التنموية والمشاركة في اتخاذ القرارات المصيرية المتعلقة بمستقبلها، ويضعف الثقة بالنظامين القانوني والقضائي، ويتسبب في هدر المال العمومي والثروات الطبيعية وتعطيل الموارد البشرية .
3- يسجل غياب إرادة سياسة حقيقية للتصدي لانتشار مظاهر الفساد ونهب المال العام والرشوة واقتصاد الريع والإفلات من العقاب في الجرائم الاقتصادية وعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة، وبناء أسس دولة الحق والقانون رغم توقيع المغرب على الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد و يشيد المجلس الوطني بالأثر البالغ للتوجهات الملكية السامية للملك محمد السادس في تطوير المجهود الوطني وترسيخ الالتزام التام للمملكة المغربية في مواجهة الفساد كخيار حاسم قصد مواصلة ورش الإصلاحات الديموقراطية والمؤسساتية والحقوقية والتنموية .
4- إن مجلس المنظمة و هو يقف عند خطورة الجرائم المالية على الأوضاع العامة للمجتمع وطنيا فإنه يطالب من رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية بإخراج العديد من الملفات المعروضة أمام محكمة النقض ومحاكم المملكة بأقسام جرائم الأموال لها صلة بالفساد ونهب المال العام التي عمرت طويلا ولأمد غير معقول كاد أن يلفها النسيان ويتطاير الغبار من أوراقها وتسقط في الهدر للزمن القضائي، وعلى سبيل المثال لا الحصر – ملفات المدعوين عبد النبي بعيوي و المهدي عثمون ومن معهم – ، ويؤكد أن المتابعات القضائية المسطرة في عدة ملفات تقتصر على بعض المنتخبين وبعض الموظفين والمقاولين دون أن تطال الرؤوس الكبيرة، وأن هذه المتابعات يبقى أثرها محدودا وغير مصحوبة بإجراءات شجاعة وجريئة وذلك بتفعيل مسطرة الاعتقال والعقل بالنسبة للأموال المنهوبة والتي من شأنها أن تعيد للناس الثقة في جهاز العدالة باعتبار الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية طبقا للفصل 107 من دستور المملكة .
وأن المجلس الوطني للمنظمة يطالب السلطة القضائية بأن تتحمل مسؤوليتها في التصدي للفساد والرشوة والريع ونهب المال العام والقطع مع الإفلات من العقاب وربط المسؤولية بالمحاسبة، كما يطالب بتسريع وتيرة الأبحاث والمحاكمات في ملفات الجرائم المالية المعروضة على المحاكم، واتخاذ تدابير و قرارات شجاعة للتصدي بكل حزم لمظاهر الفساد والرشوة، ومحاكمة المفسدين وناهبي المال العمومي وإصدار أحكام قضائية رادعة تتناسب و خطورة الجرائم المالية ، واسترجاع الأموال المنهوبة على قاعدة المساواة أمام القانون وتحقيق العدالة مع توفير مناخ سليم للأعمال، وتحفيز المقاولات لخلق الثروة عن طريق الاستثمار ومراجعة القانون الضريبي والقانون المنظم للصفقات العمومية بشكل يحقق العدالة والمساواة والشفافية والمنافسة الحرة .
5- و يعتبر المجلس بأن التصدي لمظاهر الفساد ونهب المال العام ومعالجة آثارها على التنمية ببلادنا جزء من عملية واسعة لإرساء قواعد الحكامة وترسيخ الديمقراطية ودولة المؤسسات بما يقتضيه ذلك من تعزيز لقيم الشفافية والنزاهة والمساءلة في التدبير العمومي وسير المرافق العمومية، وهو ما يتطلب ملاءمة التشريع المغربي مع المواثيق الدولية ذات الصلة، وخاصة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي صادق عليها المغرب سنة 2007 ، وسن استراتيجية وطنية متعددة الأبعاد للتصدي للفساد والرشوة، وتوسيع صلاحيات ومهام مؤسسات الحكامة ومدها بالإمكانيات اللازمة لممارسة مهامها مع إحالة تقاريرها وملفاتها على القضاء .
6- نعبر عن شجبنا واستنكارنا لتلك التصريحات لا مسؤولة والغير مبنية على معطيات وقرائن قانونية ودستورية ، والتي تفوح منها رائحة الخصومة السياسية باعتباره وزيرا للعدل و رئيس حزب ثم رئيس جماعة ترابية يريد من خلالها التشريع لبعض المفسدين وحمايتهم من الملاحقة وبين نشطاء حماة المال العام الذين فضحوا ملفات بعض المنتسبين لحزبه وبعض قيادييه عن طريق وضعهم لشكايات بالعشرات معززة بتقارير وحجج وقرائن دامغة تتبث فسادهم ونهبهم للمال العام وقد تمت ادانتهم من طرف القضاء ( ومنهم رئيس جهة الشرق الحالي ونائبه ..) والبعض الاخر معروض على المحاكمة بثهم ثقيلة ( رئيس الفريق البرلماني للأصالة والمعاصرة )و العشرات منهم متابعين ويحقق معهم لدى قضاة التحقيق في أقسام جرائم الأموال .
7- نعبر عن الارتياح الكبير للقرارات الجريئة والفعالة التي تقوم بها مؤسسة النيابة العامة والسلطة القضائية باعتبارها سلطة مستقلة، و التعاطي بشكل ايجابي في كل الشكايات والملفات التي يشتبه بها الفساد وجرائم مالية , التي يتم وضعها من طرف المنظمة المغربية لحماية المال العام وكذا ملفات جرائم الأموال المعروضة أمام محاكم المملكة – اقسام جرائم الأموال – بصفة عامة .
8- إن ما جاء على لسان وزير العدل يتعين فتح تحقيق فيه من طرف السيد الوكيل العام لمحكمة النقض ورئيس النيابة العامة لأن منه تنبعث رائحة التواطؤ مع ناهبي المال العام والتستر عليهم ، وحمايتهم وتحصينهم ، والتشويش على ملفات منتسبين لحزبه معروضة على القضاء وفي مراحل البحث التمهيدي لذى الضابطة القضائية المختصة أو قضاة التحقيق .
9- رفضنا الشديد أن يرهن وزير العدل منصبه لخدمة مافيات الفساد ونهب المال العام، فيعدهم في لقاءاته الخاصة والعامة باقتلاع جذور من يجرونهم الى المسائلة القانونية التي هي مرتبطة وجودا وعدما بالمسؤولية كمبدأ دستوري يريد وزير العدل أن ينسفه ويعود بالمغرب الى الخلف في ردة حقوقية عميقة وضرب كل المجهودات والاوراش المهمة التي فتحها ملك البلاد ومنها تخليق الحياة العامة وتنزيل المبدأ الدستوري وهو ربط المسؤولية بالمحاسبة إرضاءا لعصابات ناهبي المال العام .
10- إن ما صدر عن وزير العدل ليس زلة لسان ولا سوء فهم بل هو فعل عمدي مع سابق الاصرار والترصد منه لرهن وزارة العدل في إنتاج مشاريع قوانين تخدم الفاسدين وتحويلها من وزارة للعدل كمرفق عام يخدم الشعب المغربي بدون خلفية حزبية او سياسية انتقائية إلى محام للشياطين .
11- إن المجلس يؤكد أن وزير العدل لم يشهر امام البرلمان أو وسائل الاعلام دراسة علمية أو إحصاءات دقيقة توضح مآلات الشكايات التي رفعتها المنظمة المغربية لحماية المال العام أو غيرها من الجمعيات ذات الأهداف المشتركة التي تتبث زيف مضمونها أو كيدها .
12- إن مجلس المنظمة يشير أن شكايات كثيرة انتهت بتسطير المتابعات الواجبة ضد الآثمين في حق المال العام وفي أحلام الأجيال وفي المتاجرة بمصير الوطن، وإنه لولا شكايات المنظمة المغربية لحماية المال العام والجمعيات الجادة والتي تحترم اهداف وقوانينها الأساسية وأجهزتها التقريرية والقانون المنظم للجمعيات لبقي السراق يسرقون ويستنزفون مال الشعب بصفقات مشبوهة وبمكاتب دراسات وهمية وباختلاسات مباشرة وأخرى غير مباشرة .
13- فإننا لا نكتفي بعبارات الادانة والاستنكار بأشد العبارات لما يخطط له وزير العدل من الاحتفاء بلصوص المال العام وتزكيتهم بل نطرح سؤالا مشروعا حول خلفيات انضمام وزير العدل الى زمرة المسؤولين العموميين الذين تحوم حولهم شبهات في حين هو امرا بالصرف في جماعة ترابية ؟ وهل الامر مرتبط بتخليق الحياة العامة أم هو تقديم وزارة العدل لخدمات تشريعية للمشتبه فيهم لنهب للمال العام؟ كما ندعو كافة القوى الحية أن تبادر إلى حرمان وزير العدل من استغلال وزارته بغية التطبيع مع الفساد والفاسدين لجني مكاسب حزبية و سياسية لحظية هدامة للوطن .
13-إن المجلس الوطني للمنظمة المغربية لحماية المال العام يعتبر أن ما اقدم عليه وزير العدل هو مس للدستور وخرق فاضح وسافر لمقتضيات المواثيق والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب وعلى رأسها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تؤكد في مادتها 13 والتي تنص على ضرورة مشاركة المنظمات الغير الحكومية في منع الفساد ومحاربته وإذكاء وعي الناس فيما يتعلق بوجود الفساد واسبابه وجسامته وما يمثله من خطر داخل المجتمعات , وحيث الحكم الاسمى بين المؤسسات والساهر على احترام الدستور وحسن سير المؤسسات وعلى صيانة الاختيار الديموقراطي وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة هو الملك طبقا لأحكام الفصل 42 من الدستور .
ولأجله يرفع إلى النظر السامي لجلالة الملك ملتمس إعفاء السيد وزير العدل من مهامه طبقا لأحكام الفصل 47 من الدستور وذلك لما أقدم عليه من مس بالدستور وبالمواثيق الدولية وتعهدات المملكة
المجلس الوطني للمنظمة المغربية لحماية المال العام
حرر بالدار البيضاء بتاريخ 28 ماي 2022